خَديجَة بِنتُ خُوَيلِد
نسبها ونشأتها:
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى قصي بن كلاب القرشية الأسدية ، ولدت سنة 68 قبل الهجرة (556 م). تربت وترعرعت في بيت مجد ورياسة، نشأت على الصفات والأخلاق الحميدة، عرفت بالعفة والعقل والحزم حتى دعاها قومها في الجاهلية بالطاهرة، وكانت السيدة خديجة تاجرة، ذات مال، تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة، وقد بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان صادق أمين، كريم الأخلاق، فبعثت إليه وطلبت منه أن يخرج في تجارة لها إلى الشام مع غلام لها يقال له ميسرة. وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وربحت تجارتها ضعف ما كانت تربح. أخبر الغلام ميسرة السيدة خديجة عن أخلاق رسول الله صلى الل عليه وسلم ، فدست له من عرض عليه الزواج منها، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأرسلت السيدة خديجة إلى عمها عمرو بن أسعد بن عبد العزى، فحضر وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لها من العمر أربعين سنة ولرسول الله خمس وعشرون سنة.
السيدة خديجة - رضي الله عنها - كانت أول امرأة تزوجها الرسول ، صلى الله عليه وسلم، وكانت أحب زوجاته إليه، ومن كرامتها أنها لم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت [. أنجبت له ولدين وأربع بنات وهم: القاسم (وكان يكنى به)، وعبد الله ، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة ز
إسلامها:
عندما بعث الله – سبحانه وتعالى – النبي صلى الله عليه وسلم كانت السيدة خديجة – رضي الله عنها- هي أول من آمن بالله ورسوله، وأول من أسلم من النساء والرجال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة يصليان سراً إلى أن ظهرت الدعوة. تلقى رسو الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من التعذيب والتكذيب من قومه، فكانت السيدة خديجة تخفف عنه وتهون عليه ما يلقى من أكاذيب المشركين من قريش. وعندما انزل الله – سبحانه وتعالى – الوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم -قال له ( اقرأ بسم ربك الذي خلق ( فرجع مسرعاً إلى السيدة خديجة وقد كان ترجف بوادره، فقال : " زملوني " ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال : " مالي يا خديجة؟ " وأخبرها الخبر وقال: " قد خشيت على نفسي " ، فقالت له : كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق. وانطلقت به إلى ابن خمها ورقة بن نوفل بن أسد، وهو تنصر في الجاهلية، وكان يفك الخط العربي، وكتب بالعربية بالإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا قد عمى، فقالت : امع من ابن أخيك ما يقول، فقال: يا ابن أخي ما ترى؟، فأخبره، فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى .
منزلتها عند رسول الله :
كانت السيدة خديجة امرأة عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، فقد أمر الله – تعالى – رسوله أن يبشرها في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضلها على سائر زوجاته، وكان يكثر من ذكرها بحيث أن عائشة كانت تقول : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي e يكثر من ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة، فيقول إنها كانت وكان لي منها ولد.
وقالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكر خديجة يوما من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت هل كانت إلا عجوزاً فأبدلك الله خيراً منها، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمن بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني النساء، قالت عائشة: فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا ً.
وفاتها:
توفيت السيدة خديجة ساعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيمن في بث دعوة الإسلام قبل هجرته إلى المدينة المنورة بثلاثة سنوات، ولها من العمر خمس وستون سنة، وأنزلها رسول الله e بنفسه في حفرتها وأدخلها القبر بيده، وكانت وفاتها مصيبة كبيرة بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم- تحملها بصبر وجأش راضياً بحكم الله – سبحانه وتعالى ،
زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
ثاني زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
ســـودة بنت زمعة
وأول امرأة تزوجها الرسول بعد خديجة
وبها نزلت آية الحجاب
· اسمها ونسبها:
هي أم المؤمنين سوده بنت زمعة بن قيس بن عبد ود ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشية العامرية، وأمها الشمّوس بنت قيس بن زيد بن عمر الأنصارية.
·
إسلامها:
كانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة، من فوا ضل نساء عصرها. كانت قبل أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو، أخي سهيل بن عمرو العامري. ولما أسلمت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم معها زوجها السكران وهاجرا جميعاً إلى أرض الحبشة، وذاقت الويل في الذهاب معه والإياب حتى مات عنها وتركها حزينة مقهورة لا عون لها ولا حرفة وأبوها شيخ كبير.
· زواجها:
في حديث لعائشة عن خولة بنت حكيم، أن خولة بنت حكيم السلمية رفيقة سودة في الهجرة إلى الحبشة وزوجها عثمان بن مظعون لما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها: أنها صغيرة ويريد من هي أكبر سناً لتدبير شؤون بيته ورعاية فاطمة الزهراء.
فعرضت الزواج من سوده بنت زمعة، فهي امرأة كبيرة وواعية، رزان ومؤمنة، وأن جاوزت صباها وخلت ملامحها من الجمال. ولم تكد خولة تتم كلامها حتى أثنى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم- فأتى فتزوجها.
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم- بسودة ولديها ستة أبناء وكان زواجها في رمضان في السنة العاشرة من النبوة، بعد وفاة خديجة بمكة، وقيل: سنة ثمانية للهجرة على صداق قدره أربعمائة درهم، وهاجر بها إلى المدينة.
* فضلها :
تعد سودة – رضي الله عنها - من فواضل نساء عصرها، أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهاجرت إلى أرض الحبشة. تزوج بها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت إحدى أحب زوجاته إلى قلبه، عرفت بالصلاح والتقوى، روت عن النبي أحاديث كثيرة وروى عنها الكثير. ونزلت بها آية الحجاب، فسجد لها ابن عباس. وكانت تمتاز بطول اليد، لكثرة صدقتها حيث كانت امرأة تحب الصدقة.
·
صفاتها:-
لما دخلت عائشة رضي الله عنها بيت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة محبوبة تملأ العين بصباها ومرحها وذكائها، شاءت سودة أن تتخلى عن مكانها في بيت محمد صلى الله عليه وسلم فهي لم تأخذ منه إلا الرحمة والمكرمة، وهذه عائشة يدنيها من الرسول المودة والإيثار والاعتزاز بأبيها، وملاحة يهواها الرجل.
وقد أنس الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمرحها وصباها في بيته فانقبضت سودة وبدت في بيت زوجها كالسجين، ولما جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً وسألها إن كانت تريد تسريحاً، وهو يعلم أن ليس لها في الزواج مأرب إلا الستر والعافية وهما في عصمة الرسول ونعمة الله، قالت سودة وقد هدأت بها غيرة الأنثى: يا رسول الله مالي من حرص على أن أكون لك زوجة مثل عائشة فأمسكني، وحسبي أن أعيش قريبة منك، أحب حبيبك وأرضى لرضاك.
ووطدت سوده نفسها على أن تروض غيرتها بالتقوى، وأن تسقط يومها لعائشة وتؤثرها على نفسها، وبعد أن تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بحفصة بنت عمر جبراً لخاطرها المكسور بعد وفاة زوجها وسنها لم يتجاوز الثامنة عشر، هانت لدى سودة الحياة مع ضرتين ندتين كلتاهما تعتز بأبيها، ولكنها كانت أقرب لعائشة ترضيها لمرضاة زوجها.
وكانت سوده ذات أخلاق حميدة، امرأة صالحة تحب الصدقة كثيراً، فقالت عنها عائشة – رضي الله عنها -: اجتمع أزواج النبي عنده ذات يوم فقلن: يا رسول الله أيّنا أسرع بك لحاقاً؟ قال: أطولكن يداً، فأخذنا قصبة وزرعناها؟ فكانت زمعة أطول ذراعاً فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفنا بعد ذلك أن طول يدها كانت من الصدقة.
عن هشام، عن ابن سيرين: أن عمر رضي الله عنه- بعث إلى سودة بفرارة دراهم، فقالت: في الغرارة مثل التمر، يا جارية: بلغيني الفتح، ففرقتها.
·
أعمالها:-
روت سودة – رضي الله عنها- خمسة أحاديث، وروى عنها عبدالله بن عباس ويحيى بن عبدالله بن عبد الرحمن بن سعدين زاره الأنصاري. وروى لها أبو داود والنسائي وخرج لها البخاري.
·
وفاتها:
توفيت سودة في آخر زمن عمر بن الخطاب، ويقال إنها توفيت بالمدينة المنورة في شوال سنة أربعة وخمسون، وفي خلافة معاوية. ولما توفيت سوده سجد ابن عباس فقيل له في ذلك؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا رأيتم آية فاسجدوا" ، فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
عائشة بنت الصديق
رضي الله عنها
فهي (رضي الله عنها) بعلمها ودرايتها ساهمت بتصحيح المفاهيم، والتوجيه لإتباع سنة رسول الله r. فقد كان أهل العلم يقصدونها للأخذ من علمها الغزير، فأصبحت بذلك نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه.تلكم هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان، زوجة رسول الله وأفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالقرآن والحديث والفقه. ولدت بمكة المكرمة في العام الثامن قبل الهجرة ، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة، فكانت أكثر نسائه رواية لأحاديثه.
كانت من أحب نساء الرسول إليه، وتحكي (رضي الله عنها) عن ذلك فتقول ((فضلت على نساء الرسول بعشر ولا فخر: كنت أحب نسائه إليه، وكان أبي أحب رجاله إليه، وتزوجني لسبع وبنى بي لتسع (أي دخل بي)، ونزل عذري من السماء (المقصود حادثة الإفك)،واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في مرضه قائلاً: إني لا أقوى على التردد عليكن،فأذنّ لي أن أبقى عند بعضكن، فقالت أم سلمة: قد عرفنا من تريد، تريد عائشة، قد أذنا لك، وكان آخر زاده في الدنيا ريقي، فقد استاك بسواكي، وقبض بين حجري و نحري، ودفن في بيتي)). توفيت(رضي الله عنها) في الثامنة والخمسين للهجرة.
علمها وتعليمها
تعد عائشة (رضي الله عنها) من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد أحيطت بعلم كل ما يتصل بالدين من قرآن وحديث وتفسير وفقه. وكانت (رضي الله عنها) مرجعاً لأصحاب رسول الله عندما يستعصي عليهم أمر، فقد كانوا (رضي الله عنهم) يستفتونها فيجدون لديها حلاً لما أشكل عليهم. حيث قال أبو موسى الأشعري : ((ما أشكل علينا –أصحاب رسول اللهr حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً)) .
وقد كان مقام السيدة عائشة بين المسلمين مقام الأستاذ من تلاميذه، حيث أنها إذا سمعت من علماء المسلمين والصحابة روايات ليست على وجهها الصحيح،تقوم بالتصحيح لهم وتبين ما خفي عليهم، فاشتهر ذلك عنها ، وأصبح كل من يشك في رواية أتاها سائلاً.
لقد تميزت السيدة بعلمها الرفيع لعوامل مكنتها من أن تصل إلى هذه المكانة، من أهم هذه العوامل:
- ذكائها الحاد وقوة ذاكرتها، وذلك لكثرة ما روت عن النبي r .
- زواجها في سن مبكر من النبي صلى الله عليه وسلم ، ونشأتها في بيت النبوة، فأصبحت (رضي الله عنها) التلميذة النبوية.
- كثرة ما نزل من الوحي في حجرتها، وهذا بما فضلت به بين نساء رسول الله.
- حبها للعلم و المعرفة، فقد كانت تسأل و تستفسر إذا لم تعرف أمراً أو استعصى عليها مسائلة، فقد قال عنها ابن أبي مليكة ((كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه)).
ونتيجة لعلمها وفقهها أصبحت حجرتها المباركة وجهة طلاب العلم حتى غدت هذه الحجرة أول مدارس الإسلام وأعظمها أثر في تاريخ الإسلام. وكانت (رضي الله عنها) تضع حجاباً بينها وبين تلاميذها، وذلك لما قاله مسروق((سمعت تصفيقها بيديها من وراء الحجاب)).
لقد اتبعت السيدة أساليب رفيعة في تعليمها متبعة بذلك نهج رسول الله في تعليمه لأصحابه. من هذه الأساليب عدم الإسراع في الكلام وإنما التأني ليتمكن المتعلم من الاستيعاب،. فقد قال عروة إن السيدة عائشة قالت مستنكرة((ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدّث عن رسول الله r يسمعني ذلك، وكنت أسبِّح-أصلي-فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله r لم يكن يسرد الحديث كسردكم.
كذلك من أساليبها في التعليم، التعليم أحياناً بالإسلوب العملي، وذلك توضيحاً للأحكام الشرعية العملية كالوضوء. كما أنها كانت لا تتحرج في الإجابة على المستفتي في أي مسائلة من مسائل الدين ولو كانت في أدق مسائل الإنسان الخاصة. كذلك لاحظنا بأن السيدة عائشة كانت تستخدم الإسلوب العلمي المقترن بالأدلة سواء كانت من الكتاب أو السنة. ويتضح ذلك في رواية مسروق حيث قال((كنت متكئاً عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة،ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن ؟ قالت: من زعم أن محمداً rرأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئاً فجلست فقلت:يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني،ألم يقل الله عز وجل (ولقد رآه بالأفق المبين.ولقد رآه نزلةً أخرى)
فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله r ،فقال: ( إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين،رأيته مهبطاً من السماء سادّاً عِظَمُ خلقه ما بين السماء و الأرض )) فقالت: أولم تسمع أن الله يقول لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) أو لم تسمع أن الله يقولوما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌ حكيم).
قالت: ومن زعم أن رسول الله r كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية ، و الله يقول: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ). قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ، والله يقول ( قل لا يعلم من في السماوات و الأرض الغيب إلا الله ))
وبذلك يتضح لنا بأن السيدة عائشة (رضي الله عنها)كانت معقلاً للفكر الإسلامي، وسراجاً يضيء على طلاب العلم. ولذكائها و حبها للعلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويؤثرها حيث قال( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).
السيدة المفسرة المحدثة
كانت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عالمة مفسرة ومحدثة، تعلم نساء المؤمنين،ويسألها كثير من الصحابة في أمور الدين،فقد هيأ لها الله سبحانه كل الأسباب التي جعلت منها أحد أعلام التفسير والحديث. وإذا تطرقنا إلى دورها العظيم في التفسير فإننا نجد أن كونها ابنة أبو بكر الصديق هو أحد الأسباب التي مكنتها من احتلال هذه المكانة في عالم التفسير، حيث أنها منذ نعومة أظافرها وهي تسمع القرآن من فم والدها الصديق، كما أن ذكائها و قوة ذاكرتها سبب آخر،ونلاحظ ذلك من قولها( لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده)).
ومن أهم الأسباب إنها كانت تشهد نزول الوحي على رسول الله، وكانت(رضي الله عنها)تسأل الرسول عن معاني القرآن الكريم وإلى ما تشير إليه بعض الآيات.فجمعت بذلك شرف تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم فور نزوله وتلقي معانيه أيضا من رسول الله. وقد جمعت (رضي الله عنها) إلى جانب ذلك كل ما يحتاجه المفسر كقوتها في اللغة العربية وفصاحة لسانها و علو بيانها.
كانت السيدة تحرص على تفسير القرآن الكريم بما يتناسب وأصول الدين وعقائده، ويتضح ذلك في ما قاله عروة يسأل السيدة عائشة عن قوله تعالى(( حتى إذا استيأس الرسل و ظنوا أنهم قد كُذِبُوا جاءهم نصرنا…)) قلت: أ كُذِبُوا أم كُذِّبُوا؟ قالت عائشة: كُذِّبُوا، قلت: قد استيقنوا أن قومهم كذّبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل لعمري قد استيقنوا بذلك، فقلت لها:وظنَّوا أنهم قد كُذِبُوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء و استأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن اتباعهم قد كذَّبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك)).
وفي موقف آخر يتضح لنا أن السيدة عائشة كانت تحرص على إظهار ارتباط آيات القرآن بعضها ببعض بحيث كانت تفسر القرآن بالقرآن. وبذلك فإن السيدة عائشة تكون قد مهدت لكل من أتى بعدها أمثل الطرق لفهم القرآن الكريم . أما من حيث إنها كانت من كبار حفاظ السنة من الصحابة، فقد احتلت (رضي الله عنها) المرتبة الخامسة في حفظ الحديث وروايته، حيث إنها أتت بعد أبي هريرة ، وابن عمر وأنس بن مالك ، وابن عباس (رضي الله عنهم).
ولكنها امتازت عنهم بأن معظم الأحاديث التي روتها قد تلقتها مباشرة من النبي صلى اله عليه وسلم كما أن معظم الأحاديث التي روتها كانت تتضمن على السنن الفعلية . ذلك أن الحجرة المباركة أصبحت مدرسة الحديث الأول يقصدها أهل العلم لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي السنة من السيدة التي كانت أقرب الناس إلى رسول الله، فكانت لا تبخل بعلمها على أحدٍ منهم، ولذلك كان عدد الرواة عنها كبير.
كانت (رضي الله عنها) ترى وجوب المحافظة على ألفاظ الحديث كما هي، وقد لاحظنا ذلك من رواية عروة بن الزبير عندما قالت له (( يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج فالقه فسائلْه، فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً، قال عروة: فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما ذكر أن النبي قال:إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء فيرفعُ العلم معهم، ويبقى في الناس رؤوساً جهَّالاً يفتونهم بغير العلم، فيَضلّون و يٌضلٌّون. قال عروة: فلم حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك و أنكرته، قالت: أحدَّثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال عروة: حتى إذا كان قابلٌ، قالت له: إن ابن عمرو قد قدم فالقه ثم فاتحة حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فساءلته فذكره لي نحو ما حدثني به في مرَّته الأولى، قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراه لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص)) . ولذلك كان بعض رواة الحديث يأتون إليها ويسمعونها بعض الأحاديث ليتأكدوا من صحتها، كما إنهم لو اختلفوا في أمر ما رجعوا إليها.ومن هذا كله يتبين لنا دور السيدة عائشة و فضلها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولولا أن الله تعالى أهلها لذلك لضاع قسم كبير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية في بيته عليه الصلاة و السلام
السيدة الفقيهة :
تعد السيدة عائشة(رضي الله عنها) من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد كانت من كبار علماء الصحابة المجتهدين، وكما ذكرنا سابقاً بأن أصحاب الرسول r كانوا يستفتونها فتفتيهم، وقد ذكر القاسم بن محمد أن عائشة قد اشتغلت بالفتوى من خلافة أبي بكر إلى أن توفيت. ولم تكتفِ (رضي الله عنها) بما عرفت من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع التي لم تجد لها حكماً في الكتاب أو السنة، فكانت إذا سئلت عن حكم مسألة ما بحثت في الكتاب والسنة، فإن لم تجد اجتهدت لاستنباط الحكم، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها . فهاهي (رضي الله عنها) تؤكد على تحريم زواج المتعة مستدلة بقول الله تعالى : (( والذين هم لفروجهم حافظون.إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)).
وقد استقلت السيدة ببعض الآراء الفقهية، التي خالفت بها آراء الصحابة، ومن هذه الآراء:
1-جواز التنفل بركعتين بعد صلاة العصر، قائلة(( لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر)). وعلى الرغم من أنه من المعلوم أن التنفل بعد صلاة العصر مكروه، فقال بعض الفقهاء أن التنفل بعد العصر من خصوصياته صلى الله عليه وسلم .
2- كما أنها كانت ترى أن عدد ركعات قيام رمضان إحدى عشرة ركعة مع الوتر، مستدلة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم،وذلك عندما سألها أبو سلمة بن عبدالرحمن ((كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن و طولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن و طولهن، ثم يصلي ثلاثا. فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي))..فكان الصحابة (رضي الله عنهم) يصلونها عشرين ركعة، لأن فعل النبي r لهذا العدد لا يدل على نفي ما عداه . وهكذا جمعت السيدة عائشة بين علو بيانها و رجاحة عقلها، حتى قال عنها عطاء( كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأياً في العامة)).
وفاتها
توفيت السيدة عائشة (رضي الله عنها) وهي في السادسة و الستين من عمرها،بعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية و الاجتماعية والسياسية للمسلمين. وحفظت لهم بضعة آلاف من صحيح الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم.
لقد عاشت السيدة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتصحيح رأي الناس في المرأة العربية ، فقد جمعت (رضي الله عنها) بين جميع جوانب العلوم الإسلامية ، فهي السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة. وكما ذكرنا سابقاً فهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء.
كما أن عروة بن الزبير قال فيها(ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة)) .وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبدالبر( إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر)).
وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة التي اعتبرت نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه،للسيدة التي كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتي أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامي.فهي بذلك اعتبرت امتدادا لرسول الله